اخر الأخبار

دور للسياسات المالية في النموذج التنموي

دور للسياسات المالية و الضريبية في النموذج التنموي الجديد



يعتبر النموذج التنموي الجديد عنوانا لإشكالية مركبة متعددة المداخل،متنوعة التجليات تأبى التفكيك وتمتنع عن التجزيء ولأنها كذلك فقد تعددت حولها الآراء وتراكمت وتناسلت لأجلها المشاريع وتنوعت،وبقي سؤال النجاعة في كل ذلك متعلقا بسلامة منطلقات التحليل و المعالجة، وشمول النظر والمقاربة ومدى تأثيرها الحقيقي في الواقع.
و إذا كانت المملكة‎ المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.  فإن هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها إلا عبر التنمية، هذه الأخيرة  يعتبرها البعض مجموع السياسات العمومية التي تتبناها الدولة ويرجى من خلالها تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي على المدى القصير والتطور الهيكلي للمجتمع على المدى البعيد،ليس في الحقيقة مجرد مخططات اقتصادية واجتماعية، و ذكاء في التدبير ودقة في الحكامة، بل تتجاوز كل ذلك لتحتكم إلى مستوى الوعي الفكري للمجتمع بماهيتها والاقتناع بضرورتها وغاياتها ونتائجها.
   وعليه، فإن كل مشروع تنموي لم يراعي توازي هذه المدخلات وتكاملها، لن يلبث أن يتكسر على صخرة الواقع مهما بلغت تطلعاته وامتدت آماله ولا غنى للوصول إلى تنمية حقيقية من تظافر الجهود وتكامل المعارف والمقاربات.
و من الطبيعي أن يكون للسياسات العمومية بصفة عامة و المالية و الضريبية  دور بالغ الأهمية في بلورة هذه الأهداف التنموية من خلال نهج مقاربة الفعل و التفاعل و للتشاركية و التعددية في المداخل و الوحدة في المنجزات، التي تصبوا بلورة تنمية مستدامة مندمجة تضمن حقوق الأفراد و تحقق شرط التنمية المستدامة و العدالة المجالية و الإجتماعية.
إن المتتبع للشأن المغربي سيقف عند نقاش عميق يدور حول النموذج التنموي و حجم الفعل و التفاعل بين مختلف الفاعلين قصد تحقيق التنمية بكل أبعادها.  و هو ما فتئ يؤكده عاهل البلاد أكثر من مرة على الدور الذي تلعبه مختلف القوى الحية في بلورة نموذج وطني تنموي جديد قادر على إخراج المغرب من الوضعية الراهنة التي تثقل كاهل الأجيال الحالية و ضمان مستقبل مغرب العهد الجديد.
و الأكيد أن بلورة هذا التصور الجديد للتنمية بالمغرب لا بد من ركائز و أسس فلسفية و مرجعية تروم تغيير العقليات المترددة و الفكر العدمي و محاربة ثقافة التيئيس و التبخيس و القطع مع أطروحة التنمية بدون ديمقراطية، و تصحيح مسار سياسي مرتبك ومتردد، و الانتقال من الديمقراطية في بعدها السياسي إلى دمقرطة فرص الإختيارات الاجتماعية و الإقتصادية. إننا اليوم بحاجة إلى الإنفتاح على الشباب و تغيير العقليات النفعية غير المنتجة القائمة على سياسة الكراسي بحاجة إلى ادارة خدومة منتجة، إدارة تشجع الإستثمار إدارة رقمية و بحاجة إلى كوادر قادرة على تحمل المسؤولية همها الوحيد الإصلاح في إطار التلازم بين قيم المواطنة و الوطنية و الغيرة و الثوابث المترسخة. لابد من إعتماد ثقافة تعاقد جديد تتأسس على ربط المسؤولية بالمحاسبة و دولة المؤسسات و  معايير الشفافية و التخليق.
إن كل تصور للنموذج التنموي يختزله في جانبه الإقتصادي لن يكون سوى تكرار للنموذج الفاشل و بالتالي لابد من جعل الإنسان محور كل تصور، و بطبيعة الحال لابد من مخططات و برامج متماسكة و متكاملة تراعي العدالة الإجتماعية و المجالية، و لأن التنمية الإجتماعية تحتاج موارد مالية و كفاءات إدارية و سياسات عمومية فعالة فلابد من وضع قطيعة مع الماضي لاعتبار من أشرفوا على مشاريع الأمس التي ادت بالمغرب إلى مستنقع التخطيط بدون تنمية هم من سيخططون اليوم. وعليه فالتنمية لا يجب أن تكون حقل تجارب متكررة لأن الأمر يرتبط بمستقبل أجيال، مستقبل المغرب الممكن.
والجامعة باعتبارها طرفا في هذا النقاش العمومي و باعتبارها وعاء خصبا للبحث في المجال المالي و الضريبي و الإداري تجد نفسها مدعوة بشكل مهم في فتح و تأطير هذا النقاش بين جميع المتدخلين في هذا المجال ولاعتبار الدور الجوهري للسياسات المالية و الضريبية في النموذج التنموي فرصة لكل الفاعلين في الميدان المالي و الضريبي و الإداري لطرح مختلف الإشكاليات و السبل الكفيلة بتبني نموذج يروم تحقيق العدالة المجالية و الإجتماعية ، وأيضا مناسبة لتبادل الرؤى حول الحلول المقترحة لمعالجته .



Aucun commentaire