العلاقات الدولية S1 Introduction aux relations Internationales Langue arabe
مقدمة :
تغيرت السياسة الدولية بطرق مختلفة في السنوات
الاخيرة، فالاوضاع الموضوعية و القوى و الظروف الكامنة، و توزع القوة، و التأثير
الاقتصادي و القضايا البارزة كلها عوامل مختلفة بالتأكيد، و لكن بالاضافة الى هذه
الاختلافات، نجد ان الوضع الذاتي او اطار المرجعية الذي يفهم الناس من خلاله الاحداث
العالمية تغير هو الاخر، فقد انتقلنا من المجتمع البشري الذي عاش حياته الجماعية مجزأة
الى سياق جديد يعيش فيه هذا المجتمع حياته ككل لا يتجزأ، فالحضارة العالمية التي نشأت
الان هي ذات نفوذ اكبر بكثير نسبيا من نفوذ حضارة روما التي كانت الاوسع انتشارا من
كل الحضارات العالمية السابقة، فأبعد قرية في غابة مهجورة أصغر كوخ معزول في
القطب الشمالي يشعران بسلطة التأثير و السيطرة في العصر الحالي...
الفصل الاول : تطور
مسار
العلاقات
الدولية
المبحث الاول : المقاربة
التاريخية
لمفهوم
العلاقات
الدولية
ان العلاقات الدولية قائمة منذ زمن بعيد، منذ ان وجدت الجماعات البشرية و تنوعت و
تعددت، منذ قيام المدينة الدولة مثل المدن الفينيقية و المصرية و اليوناية، و التي كانت في
مجملها قائمة على القوة و الحروب، كوسيلة تتخذها الاقوام القديمة لفرض ارادتها على
الاقوام الضعيفة، و لما كان الملك الحاكم في الماضي يجسد الدولة، و كانت المنازعات تحل
بالحروب، فقد كان السائد ان تطغى الصراعات على القضية البشرية، مع الابقاء على
بعض الاستثناءات التي تهدف الى تنظيم العلاقات نحو السلام، بسلك الطرق الدبلوماسية
البدائية التي يعبر عنها بالمفاوضات، و ضلت تستعمل للتعبير عن التعامل السلمي بين
الدول حتى منتصف القرن السابع عشر، حيث حلت محلها الدبلوماسية التي يعرفها البعض
2
" بفن المفاوضات "، و المفاوضات لا تعني بالضرورة بديلا كاملا عن استخدام القوة، انما
جاءت كاستثناء للتخفيف من حدة الحروب التي كانت طاغية على العلاقات الدولية حتى
و لما كانت الحروب عبارة عن نزاع مسلح بين دولتين او اكثر بقصد الغلبة و فرض
شروط للسلام، فان الدبلوماسية هي فن الاقناع دون استعمال القوة في سبيل المحافظة على
السلام، هكذا نجد ان هناك علاقة ربط في الاهداف بين الحرب و الدبلوماسية كما جاء
في كتاب كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية، حين قال ان هناك زواج بين
القوة المسلحة و الدبلوماسية و ليس بينهما طلاق.
بعد الحرب العالمية الاولى لجأ المجتمع الدولي الى المطالبة بتحقيق السلم عن طريق
القانون الدولي، و قد تجسدت هذه المطالبة عمليا بقيام عصبة الامم، كمنظة دولية تعمل
على استقرار السلم و الامن الدوليين، الا ان التضامن بين أعضاء عصبة الامم كان مفقودا،
فقد انقسمت المواقف بين من يريد من هذه المنظمة ان تتمتع بالقوة و القدرة على مراقبة
ألمانيا و اجبارها على احترام معاهدة السلم، و ذلك بإنشاء قوة عسكرية تابعة لها، وكانت
فرنسا من مناصري هذا التوجه، في حين كان هناك توجه اخر عملت انجلترا و أغلبية
الدول الانجلوساكسونية على ان لا تكون عصبة الامم قوة قاهرية تحد من سيادة الدول،
حيث تبقى مسخرة لارادة الدول على ان تتمتع بحق الوساطة الدولية في حال قيام اي نزاع
او نشوب خصام، الا انه و بعد اتفاق ميونخ
8391 م، بدأت بريطانيا تبدل من سياستها
القديمة المسالمة، لتتجه نحو التسلح و القوة، و قيام الدول الدكتاتورية بالاعتداء و العنف
لتنفيذ سياستها، لكل هذه الاسباب كان لابد ان يعود للقوة الدور الاساسي في العلاقات
الدولية، التي كانت من نتائجها قيام الحرب العالمية الثانية، و بعد انتهاء الحرب و قيام هيئة
الامم المتحدة، بدأت العلاقات الدولية تميل نحول السلم أكثر من ميلها نحو الحرب، لكن
تطور الاحداث الدولية أدى إلى تعطيل سياسة الامن الجماعي، بانقسام العالم الى معسكرين
متخاصمين يميلان بعلاقتهما نحو الحرب أكثر من من ميلهما نحو السلم، الا ان وجود
الاسلحة الذرية لدى كل من هذين المعسكرين بدل من مفهوم الحرب، فتحولت من صراع
هدفه الحاق الهزيمة بالخصم الى صراع من اجل فناءه، لذلك خيم على العلاقات الدولية
نوع من السلم قائم على توازن الرعب، بدون التخلي عن امكانية الحرب، و هو ما عرف
بالحرب الباردة، وهذا النوع من الحرب لم يبق في حالة ركود، بل أخذ حالة تصاعدية من
التوتر في العلاقات الدولية، من خلال سباق التسلح و امتلاك أسلحة الدمار الشامل، التي
كادت ان تجر العالم الى حرب تدميرية فعلية تكون وباء على الجميع، و لكي يتفادى
المجتمع الدولي هذا الحال طرح مبدأ التعايش السلمي بين نظامين مختلفين، ليخفف من حدة
التوتر و يقود في الوقت نفسه الى سياسة الانفراج الدولي و من ثم الوفاق، الى مرحلة
انتقالية نحو العولمة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ليحكم العالم من قطب واحد بدلا من
الثنائية التي كانت قائمة سابقا، الا ان هذا لم يحد من التوتر، فالأزمات الاقليمية التي
طرحت كانت تحل بالطرق العسكرية و لم تحل بالاداة السلمية، و هذا دليل على ان
المبحث الثاني : بداية
التطور
اذا كانت العلاقات الدولية لم تتبلور كعلم في مجال المعرفة الا في الريع الاول من القرن
العشرين، فان العلاقات السياسية نشأت منذ ان وجدت التكتلات البشرية، و قامت بين
القبائل روابط الجوار او حصلت فيما بينها الغزوات، و ذلك منذ نشأة الجماعة البشرية التي
اضطرت من اجل الحفاظ على بقائها و تأمين حاجتها الى التعامل مع غيرها من التكتلات.
بعد التطور التاريخي للمجتمع الانساني الذي تحول فيما بعد، الى مجتمعات سياسية تحولت
بدورها الى وحدات شكلت نواة الدولة، فأصبحت تشعر بضرورة انشاء علاقات سلمية فيما
بينها تقوم على التعاهد و تبادل البعثات الدبلوماسية و فض النزاعات عن طريق
التحكيم، و لعل اول تحكيم سجله التاريخ كان بين اسبارطة و مسينا ) 829 ق.م
(، وبعد
نهاية العصور الوسطى و بداية العصر الحديث، عصر النهضة شهدت اوروبا حروبا دينية
بين الكاثوليك و البروتستانت دامت حولي ثلاثين سنة، و بعد الروح القومية التي رافقت
الاكتشافات الجغرافية، بدأت تطرح فكرة التنظيم الدولي، للبحث عن سلام دائم بين الدول،
حيث شهدت العلاقات الدولية خلال القرن السابع عشر، تطورات هامة، بإنعقاد مؤتمر
وستفاليا عام 8461 م، حيث اعتبرت تلك المعاهدة الاساس الذي قامت عليه العلاقات
الدولية حتى قيام الثورة الفرنسية، لقد هذه المعاهدة حدا نهائيا للمشكلة الدينية ببقاء المذهبين
الكاثولكي و البروتستاني متعايشين في اوروبا، و اطلقت فكرة الدولة القومية في العلاقات
الدولية، و اسس نظام البعثات الدبلوماسية و ذلك بقيام تبادل الدول للسفارات، غير ان هذه
الصورة السلمية لم تحقق اهدافها بسبب سباق التسلح و الزيادة في الحركة الاستعمارية، مما
أدى الى الحروب، فكانت النتيجة حروب و نزاعات هنا و هناك و اختتمت بالحربين
العالميتين الاولى و الثانية.
المبحث الثالث : تحديد
مفهوم
العلاقات
الدولية
المطلب الاول : مفهوم
العلاقات
الدولية
مع ان العلاقات الدولية قائمة منذ أبد العصور، الا انها لم تتبلور في العلوم الاجتماعية الا
حديثا، و كانت الولايات المتحدة الامريكية في طليعة الدول التي أقبلت على هذا العلم بعد
الحرب العالمية الاولى، و عهدت بتدريسه في جامعتها بعد تخليها عن عزلتها الدولية و
توجهها نحو الاهتمام بالشؤون الدولية، مما حتم عليها معرفة كيفية التعامل مع الغير و بذلك
دراسة الاسس التي تقوم عليها العلاقات الدولية، بعد ذلك اهتمت الجامعات الاوروبية بهذا
العلم و دراسته تحت أسماء مختلفة، كالشؤون الدولية او السياسة الخارجية او المنظمات
الدولية و غيرها، غير ان تدريس هذه المادة من قبل اساتذة غير مختصين ادى الى التشعب
في مضمونها.
المطلب الثاني : تعريف
العلاقات
الدولية
تكثفت التعاريف حول مفهوم العلاقات الدولية، حيث هناك من يرى ان السياسة الخارجية
مظهر من مظاهرها عن طريق العلاقات السياسية لدولة مع دولة اخرى، ورأى بعضهم ان
العلاقات الدولية هي تلك القوى الاساسية الاكثر تأثيرا في السياسة الخارجية، اما البعض
الاخر عرف العلاقات الدولية هي مجموعة من الأنشطة المختلفة كالاتصالات
الدولية و التبادل التجاري و المباريات الرياضية و بانها تلك العلاقات بين الافراد الذين
ينتمون لدول مختلفة الى غير ذلك...
4
و نستنتج مما سبق ان العلاقات الدولية ليس هناك اجماع موحد على تعريفها من قبل جميع
الباحثين المهتمين بدراستها، فجميع تلك التعريفات صحيحة بمجملها، فالقواسم مشتركة بينهم
حيث ان العلاقات الدولية تتم عبر الحدود ة انها تتم خارج نطاق الدولة الواحدة، فهي تطال
الدول و المنظمات الدولية و الشركات المتعددة الجنسيات و الجماعات السياسية كالاحزاب
الى غير ذلك...
المبحث الرابع : العلاقات
الدولية
و
العلوم
الاخرى
تهتم العلاقات الدولية ببحث المسائل الدولية، فتلتقي بذلك و تتداخل مع باقي العلوم الاخرى
التي تتناول جانبا من هذه المسائل، فما هي نقاط الالتقاء و الاختلاف بين العلاقات الدولية
من جهة و العلوم الاخرى من جهة ثانية ؟
المطلب الاول : العلاقات الدولية و القانون الدولي العام
يقصد بالقانون الدولي العام هو مجموعة من القواعد المنظمة للعلاقات بين الدول و
المنظمات الدولية او غيرها من الجماعات السياسية، فالاضافة الى تنظيمه هذه العلاقة فهو
يبين ما لهم من حقوق و ما عليهم من التزامات شأنه شأن اي قانون، و لذلك يرتبط
بالمعرفة القانونية، اذن الاختلاف بين علم العلاقات الدولية و القانون الدولي، يتمثل في ان
الاول يهتم بالتحليل الموضوعي لراوبط الواقع من احداث في العلاقات الدولية، بينما يهتم
الثاني بالتحليل الشكلي للروابط القانونية و هكذا يقتصر اللقاء في انهما مجرد يعملان في
مجال واحد و هو العلاقات بين الدول.
Aucun commentaire